العقيق اليماني



العقيق اليماني




من الشدة جاءت الرقة ومن الجبال قد الجمال ... هكذا تكتسب الروعة ندرتها وتختصر سرها لتروي حكاية العقيق اليماني .. العقيق الأشهر والأجود عالمياً رغم توفره في بلدان عديدة كإيران والهند وغيرهما إلا أن جودة وشهرة العقيق اليماني لم يصل إليها أي نوع آخر .


أماكن وجوده


يوجد العقيق في مناطق كثيرة من اليمن إلا أن أشهر مناطق تواجده تقع في محافظة ذمار جنوب العاصمة صنعاء وتحديداً في منطقتي آنس وعنس حيث يوجد ضمن الطبقات الصخرية لجبال هذه المناطق على هيئة عروق غائرة في عمق الصخر يتتبعها المشتغلون بالنحت حتى الوصول إلى مركز العرق وبهذه الطريقة تكونت العديد من المناجم البدائية في هذه المناطق .

والوصول إلى المبتغى من أحجار العقيق الكريمة يستلزم الحفر حتى الوصول إلى عمق يبلغ ثمانية أمتار، ثم إخراجها على هيئة كتل مختلفة الأوزان والأحجام وفي أحيان كثيرة يتعمّق الحفر حتى يصل إلى تجويفات المياه الجوفية للجبال .

وبعد استخراج هذه القطع يبدأ الحرفيون مرحلة مضنية جديدة إذ لا تزال الكثير من الشوائب الصخرية عالقة بقطع العقيق هذه وما زال أمامها الكثير حتى تبدأ بخطف أنظار محبيها.

تصنيع العقيق


تبدأ العملية بتقسيم هذه الكتل إلى قطع متوسطة الحجم ومتساوية قدر الإمكان لتوضع في آنية فخارية استعداداً لشيّها داخل تنور في عملية تسمى "القسى" وتعني إكساب القطع قساوة وصلابة عبر شيّها بنار التنور بصورة متدرجة من الاشتعال تصل إلى حوالي 15 يوماً من الإنضاج في التنور.



تخرج القطع من التنور لتمر بمرحلة نارية أخرى تسمى "الترميل" حيث ترص القطع بعناية على طبقة من الرماد وتغطى بطبقة أخرى من الرماد تدفن تماماً لتوضع عليها كمية من الجمر وتظل كذلك حتى يتحول الجمر إلى رماد أيضاً.

تبدأ مرحلة التشذيب بتشذيب تلك القطع بواسطة الطرق الخفيف قدر الإمكان حتى تقترب من حجم الفص المطلوب ثم يتم تثبيت هذه القطعة على رأس عود بواسطة مادة "اللك" وهي مادة محليةّ الصنع موادها خليط من اللبان والزيت والتراب وتستخدم كمادة مثبتة.

حين يتم التأكد من ثبات الفص على العود يبدأ الحرفي مرحلة حك جزء من الفص وعادة ما يتم البدء بقاعدة الفص عبر حكها بواسطة آلة بسيطة تختصر له الآن وقتًا وجهدًا كبيرين.. حيث كانت جميع المراحل فيما مضى يدوية بالكامل.. ويستوي بهذا الحك سطح القطعة لتنتقل إلى مرحلة التنعيم بواسطة ثلاثة أنواع من الأحجار يتم حك الفص عليها واحدة بعد الأخرى .. الحجر الأول ويسمى "المقربة" وهو نوع من الصخور الرسوبية يقوم بتخليص السطح مما تبقى به من شوائب بعد تسويته ليبدأ بعد ذلك دور الحجر الآخر المسمى : "المطسية" وهو من صخر جرانيتي ومهمته المبالغة في التنعيم لينتقل الفص إلى الحجر الثالث ويدعى "الطبشور" وهو رسوبي مهمته صقل قاعدة الفص وإكسابه البريق النهائي..

وبعد أن تنتهي هذه المراحل نكون قد حصلنا فقط على قاعدة فص ناعمة وبرّاقة وتنتقل العملية إلى واجهة الفص حيث يقلب تثبيت الفص على العود لتبدأ من جديد مراحل الحك والتنعيم والصقل ولكن مع مراعاة أجزاء الفص الجانبية والرأس الظاهر .

وتقتصر عملية إنتاج العقيق في مدينة صنعاء القديمة وحدها دون غيرها من المدن اليمنية الأخرى، وفي سوق "باب اليمن" كثر وجود حرفيي العقيق وتجّاره.

وبرغم صعوبة تشكيل حجر العقيق فإن الحرفيين يحاولون ابتكار أنواع جديدة تتعدى الاستخدام التقليدي كأفصاص للخواتم ويحاولون صنع قطع إكسسوار وزينة أخرى من مادة العقيق كالقلائد والأقراط للنساء ومسابح العقيق المكلفة جهداً والقيّمة.

ويتبارون في تصنيع نوادر أحجار العقيق المصور وهو أكثر أنواع العقيق طلباً حيث يتم العثور على أشكال وصور طبيعية صنعتها القدرة الإلهية كفصوص تحمل لفظ الجلالة واسم النبي صلى الله عليه وسلم وأسماء أخرى وصور الكعبة المشرفة وصورًا أخرى لبعض المخلوقات في إبداع رباني عجيب.

أنواع العقيق


أما أشهر أنواع العقيق على الإطلاق فهو العقيق الأحمر والكبدي الذي يندر تواجده. وفي المحال الأثرية تعرض النوادر المشغولة بعناية والتي تم تطعيم المشغولات الفضية بها. والعقيق اليماني هذا الحجر الكريم لا يأخذ قيمته من ندرته فهو موجود بدرجة تفوق كثيراً وجود الأحجار الكريمة الأخرى وإنما من أنواعه وأشكاله التي تغذي الأساطير والحكايات التي تروى عن منافعه وفوائده حيث يعطي الشكل والحجم واللون والصورة التي نسجتها الطبيعة داخل الحجر، القيمة والثمن الذي يستحقه.